Top Ad unit 728 × 90

أخبار الانترنت

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثاني
يتناول هذا الجزء سبب نجاح انقلاب السيسي في مصر، خلافا لما وقع في تركيا، ونشير إجمالا في هذه التوطئة بأن المترفين من جهاز البيروقراطيين الذين يمثلون الدولة العميقة، والمنتفعين من خيرات الشعب المصري، هم من جمعوا كيدهم في صفوف مرصوصة، للوقوف أمام خيارات الشعب...
وقبل تناول ذلك، لابد من تقديم دراسة تنزيلية على الآيات الأولى من سورة القصص، لعقد مقارنة بين ما فعله فرعون بالمصريين، وبين ما فعله السيسي، لنقف على حجم الكارثة التي قام بها السيسي مع أشياعه في عصر الذرة والفضاء وما بعد الحداثة....
قال تعالى: " طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين".
وإذا استعضنا لفظتي فرعون بالسيسي، وموسى بأحمد مرسي، لاستقام المعنى تماما، ومن غير أن ينقص جزء واحد منه. إلا أن الذي فعله السيسي كان أخطر وأشنع مما فعله فرعون بكثير، ذلك لأن فرعون فعل ما فعل عن جهل وضلالة، وهو يعتقد أنه من سلالة الآلهة المقدسة التي يجب عبادتها، وأن المصريين وبني إسرائل لم يخلقوا إلا ليكونوا عبيدا له وفي خدمته، ولكن مع هذا الجهل والضلال فلم يعذره الله سبحانه، وحمله تبعات سوء أفعاله، ووصفه بصفات القبح كالكبر والاستعلاء والفساد في الأرض. والفساد هو أبشع صفة تطلق على الحاكم المستبد، للدلالة على بطره وطغيانه وتجاوزه حدود العدل والإنصاف، ومظالمه التي يرتكبها في حق المحكومين، وتسليطه شرار الخلق ليعبثوا بشرف الأمة، وبمقدراتها وليشيعوا الرذيلة والفواحش بين الناس.
أما مظالم السيسي واستعلاؤه وفساده في  الأرض، فقد تجاوزت مظالم فرعون بكثير، للأسباب التالية: أولا: أن السيسي يعتقد بأنه من المسلمين المهتدين المهديين، ولا سيما وأنه سمع أحد المترفين المتدينين زورا يزين له عمله، وأنه يشبه الأنبياء حين خلصهم ممن قالوا ربنا الله. بينما الأنبياء حاربوا من حارب الله من الدهريين والماديين والملاحدة ومن لا دين لهم، من أمثال من وقف مع السيسي في كيدهم الذي صنعوه، وهي مفارقة عجيبة لا تصدر إلا من فقد عقله وصوابه، بسبب الغشاوة التي طبعت على قلبه. والسيسي وأشياعه حين انقلبوا وقتلوا ونكلوا، تجاهلوا قوله تعالى: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" الآية. فتجاهلوا أن الانقلاب حرام في عرف الشريعة الإسلامية، وأن الخيانة والغدر وقتل الناس بالباطل عمل شنيع في أصولها ومقاصدها، وأنهم انقلبوا على قوم صالحين يدعون إلى الاستقامة في الدين والخلق وحب الأوطان والناس، وأن زرع الفتنة بين المواطنين الموادعين لعنة تلاحق أصحابها على مر العصور، وأن تدمير سمعة الوطن بالخارج بالزج به في أتون الانقلاب جناية لا يغفرها التاريخ، وأن هؤلاء المنقلب عليهم لم يخلوا بقانون داخلي ولا بمعاهدات دولية، ولم يلحقوا ضررا جسيما بمقدرات الأمة المصرية، ولم يفسدوا في الأرض بالرشاوى والجهوية والاختلاسات...
 ولذلك كان العمل الذي قام به السيسي يتجاوز عمل الفراعنة الضالين بكثير. ثانيا: أنه أقسم بأيمان مغلظة أمام عدسات العالم بأنه يكون وفيا للدستور والدولة، وللرئيس واختيارات الشعب المصري، ثم نكث عهده وغدر وخان، وزج بالبلاد في فتنة استعرت نارها بين المواطنين، وزج برئيس منتخب في غياهب السجون، ثم سلط عليه ثلة من القضاة الذين لا يخافون الله، ليلفقوا له تهما باطلة قائمة على الزور والبهتان، فحاكموه وهو رئيس دولة منتخب. متجاهلين مع السيسي وشيخ الأزهر وجمعة المفتي السابق، قوله تعالى: " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به..." فكلٌ من السيسي ورئيس الأزهر والمفتي العام، أقسموا أيمانا مغلظة على احترام الدين الإسلامي وقوانين الجمهورية، وفي مقدمتها اختيار الشعب...ثم نكثوا وغدروا، فانطبق عليهم حكم الآية السابقة وغيرها كثير. ثالثا: أن السيسي وشيوخ الافتاء، خانوا أمانة المسئولية، حين اتفقوا على استعمال سلاح الشعب الذي إئتمنهم عليه، لتقتيله وتجريفه وتحريقه، ورميه كما ترمى القمامات في المكبات، (وصدرت الفتوى بالقتل من جمعة المفتي السابق حين قال أمام كبار المسئولين العسكريين: اقتل (بالمليان) يعني بالذخيرة الحية.
 وهذه الفتوى وما تلاها من قتل شنيع، لم يفعله أي جبار في الأرض، وحتى فرعون مع كفره وضلاله واستعلائه في الأرض، لم يفعل ذلك، وجرائمه صغيرة أمام ما فعله جمعة والطيبي والسيسي. رابعا: أنه جعل الشعب المصري شيعا، ( فرقا متعادية ومتقاتلة)، وحرض المعادين للمنهج الإسلامي، من الموالين له من المسيحيين والمرتدين والعلمانيين والشيوعيين، ممن لا خلاق لهم، حرضهم على المصريين الصالحين من المستضعفين ممن لا ذنب لهم سوى أن الشعب اختارهم، لكونهم فئة استقامت في دينها وخلقها، فرفضت سياسة البيروقراطيين من المفسدين والمرتشين ممن يعملون على إشاعة الفوضى والفاحشة بين المواطنين، ليجدوا مبرر بقائهم في الحكم.
ولم يكتف السيسي وأشياعه بالقتل والتحريق والتنكيل، بل زاد في قهرهم وإذلالهم بأن سلط عليهم ألوانا من العذاب النفسي والجسدي، بالاغتصاب والتعذيب والسحل والزج بهم في زنزانات مظلمة في أطراف الأرض، من غير خوف من الله. ثم حكم عليهم إما بالاعدام أو السجن مع الأشغال الشاقة، أو بالمؤبد...ولم يكتف بذلك بل صادر أرزاقهم وممتلكاتهم وحرياتهم، وسن لهم قانونا جائرا يضعهم في خانة الإرهابيين، وفيهم كبار العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين، ورجال الأعمال والتجار الكبار..وخيرة المصريين الصالحين. ثم حرض عليهم دول العالم كي تضيّق عليهم، بوضعهم تحت طائلة قانون الإرهاب، للنيل منهم..فهل فعل فرعون ذلك؟!! إن أفعال فرعون أمام أفعال السيسي، لا تمثل إلا لعبة بسيطة للتسلية فقط..
لذلك كانت أحكام هذه الآيات وغيرها كثير،  تنطبق عليه تماما، وأنا على يقين لو ينزل قرآن في أيامنا هذه، ليصور لنا جانبا مما فعله السيسي وشيوخ فتوى السلطان كالطيبي وجمعة، ممن زينوا له قتل المستضعفين من المصريين الصالحين، لكان التشنيع أقوى بكثير من التشنيع بفرعون، لبشاعة أفعال السيسي والطيبي وجمعة. ألم تروا معي كيف شنع القرآن الكريم بأحبار يهود الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، من طريق تحريف التوراة وبيع فتواها لكبار المرابين وطلاب الدنيا من الطبقات المترفة؟!! ولا يتسع المقام لذكر ذلك.
والفرق بين الرئيس أوردوغان والسيسي كبير جدا، ولا توجد بينهما قرينة شبه البتة، فالرئيس أوردوغان وصل إلى الحكم بالانتخابات المنظمة بالطرق القانونية، وهو رجل متواضع أمام شعبه،(رأيناه يحمل نعش شهداء الانقلاب على كتفه مع شعبه من غير حرج) وهو شديد صلب أمام أعداء شعبه، والسيسي وصل إلى الحكم بالكيد والمكر والخيانة والانقلاب والقتل وسفك الدماء البريئة، وهو متجبر متكبر أمام المستضعفين من شعبه،( قال لهم في إحدى خطبه: من أنتم؟ على طريقة القذافي)  ولكنه يظهر ذليلا مهينا أمام أعداء أمته.
والرئيس أوردوغان مستقيم في دينه وأخلاقه ويخاف الله، وله مواهب في التسيير، لذلك أثبت جدارته وكفاءته، وهو صادق في عهوده ومبادئه...ولذلك ناصره من على غير رأيه كالعلمانيين والقوميين والشيوعيين ومن لا دين لهم، وهو أسس اقتصادا قويا من لاشيء، والسيسي يعيش على استجداء ممالك الخليج، ممن ساعدوه على الانقلاب. مع أن إمكانات البلدين متقاربة في الكثافة السكانية والإرث السياحي وموارد الماء، والموقع الجغرافي والكفاءة الفنية للإطارات البشرية.
 ولو نبحث في أصول رؤوس الانقلابيين والكثير من أشياعهم في تركيا، لوجدناهم في معظمهم من بقايا الدونمة اليهود.(الدونمة كلمة تركية تعني المرتد). وزعيمهم الروحي هو مصطفى كمال أتاتورك الذي خان الخليفة بالانقلاب الشهير عليه سنة 1923. لذلك ترك إرثا دمويا يسري في عروق أتباعه...فلما فار هذا الدم في عروقهم وضاقت صدورهم بالإنجازات العظيمة للأمة التركية، أعلنوا انقلابهم على اختيار الشعب.
 والسيسي اقتفى أثرهم فسار في طريق الخيانة لدولته ورئيسه وشعبه، وعهده الذي قطعه على نفسه، ولا ريب أنه يعلم علم اليقين بأنه متأثر بثقافة الانقلابات التي غرسها المماليك والانكشارية في عقول الطبقة المترفة من العسكريين والمدنيين، ممن ألفوا حياة النعيم والامتيازات الضخمة في الحياة، وبالتأكيد أنهم  ليسوا من أصول مصرية، فأغلبهم من أصول تركية وشركسية... وهو يعلم أيضا بأن العقلية العربية في مجملها تعشق مركزية الذات، وهي تحب التميز والامتياز اللذين يمنحهما المنصب الرفيع في الدولة.
 ولذلك أيده المترفون ممن لا خلاق لهم، من المنعمين من قادة الجيش والأسلاك الأمنية وشيوخ إفتاء السلاطين، لأنهم دأبوا على الرفاه والامتياز وعدم الاستقامة في الدين والخلق، وهذه القوى المترفة المسيطرة على مفاصل الدولة، هي ما تسمى الدولة العميقة، وهي التي تشكل الجهاز البيروقارطي المهيمن على أجهزة الدولة وهياكلها، باجتماعها على صنم عسكري أو سياسيى ممن تجمعهم مصالحهم الخاصة، ولذلك نراهم يحاربون كل مقدس، وكل صوت تحرري يدعو إلى الفضيلة والاستقامة في الدين والخلق، ولذلك نراهم يحاربون قيم الفضيلة، لأنها تتعارض مع مشاريعهم الخاصة في الغناء والثراء من رشاوى الصفقات والعقود مع الشركات الاحتكارية، ولذلك نراهم أيضا يحاربون ما يسمونه الإسلام السياسي، فيعدون أرمادة من شيوخ إفتاء السلاطين ممن تستهويهم المناصب الرفيعة، والأرائك الوثيرة وأضواء الكاميرات، ليقتطعوا ما تشابه من أي القرآن الكريم،  كي يضلوا أنفسهم ويضلوا غيرهم عن الهدى والرشاد، بفتاوى غير شرعية على نحو ما كان يفعله أحبار يهود عبر العصور، فكان أن زيفوا أحكام التوراة، وأضلوا البسطاء من الناس ممن لا نصيب لهم في العلم.
فهذه الامتيازات الضخمة التي ينالها المترفون المنعمون،  من الجهاز البيروقراطي المنتفع في الدولة المصرية، هي التي جعلتهم يجمعون كيدهم في صفوف مرصوصة، مع الذين لا خلاق لهم، ليمكروا بالذين قالوا ربنا الله، فذبحوا وقتلوا واغتصبوا وعذبوا...أمام ما يسمى العالم الحر من المنافقين الذين يغالطون الأمم والشعوب بالكذب والبهتان....!!!
والرئيس أوردوغان استطاع بعبقريته في تسيير الدولة، أن يقنع بعض كبار المترفين المنعمين من قادة الجيش والأسلاك الأمنية، ممن نما حسهم الوطني وحبهم له، واستقامت سيرهم وأخلاقهم، وتهذبت طبائعهم، فآمنوا بمواهب رئيسهم الذي قادهم إلى المجد، فوقفوا معه ومع شعبهم العظيم، على الانقلابيين من بقايا دونمة اليهود.
فلقد اختبر الأتراك الرئيس أوردوغان لسنوات طويلة في الحكم، ووقفوا على حقيقة المواهب الكبيرة التي يمتلكها في تسيير شؤون الحكم، والكاريزما الكبيرة التي تتصف بها شخصيته، ومقدار ما حققه لشعبه من سعادة ورفاه ومجد، وجعل لهم مواطن صدق في دول العالم، فصار الرجل التركي يحظى بالمكانة والتقدير حيثما حل.
وبذلك كسر وحدة الجهاز البيروقراطي في تركيا، ممن يمثلون الدولة العميقة المنعمة من خيرات الأمة التركية.
أما المصريون فلم يحظوا بالتجربة الديمقراطية الفريدة التي اختارها الشعب، ليقطفوا ثمارها بعد سنين مثل الأتراك، لأن الجهاز البيروقراطي للدولة العميقة بأذرعه المختلفة، رفض ذلك رفضا قاطعا...وصمم على قتل شعبه من أجل أن يحول بينه وبين هذه التجربة النادر وقوعها.
فهنيئا للشعب التركي نجاحه الكبير والذكي، وهو يستحق الفخر والتنويه على هذا الوعي الكبير الذي وصل إليه، فقضى على آخر خيط أمل يربط البيروقاطيين المنعمين ببعضهم إلى الأبد..ونحن نحسدهم على ذلك ونتمنى أن نكون مثلهم!! ونقول لإخواننا المصريين: صبرا أهل مصر!! فالنصر آت لا محالة!!، وإن مع العسر يسر وإن الفجر لقريب بزوغه  ...ولكن المترفين لا يعلمون...وقديما قالوا: لبث حتى يأتي الهيجاء جمل...
إذا سمح الوقت، سأتناول في الجزء الأخير  بحول الله، من هذه السلسة من المقالات، نرجسية العقلية العربية، وتمركزها الشديد حول نفسها، وقبولها المركوبية..وعلاقة ذلك كله بأحداث الربع العربي....
تحيا
الجزء الثاني من المقال Reviewed by Unknown on 10:53 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

Privacy Policy

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.