Top Ad unit 728 × 90

أخبار الانترنت

                                                       الحلقة الثالثة

الأوضاع المأساوية التي شكلت هذه الذهنية غير المنسجمة مع ذاتها .فجعل بأ س هذه الأمة يشتد فيما بينها على نحو ما نراه اليوم من فتن وحروب أهلية، وانقلابات على الشرعية وإعطاء الولاء للأجانب من أعداء الأمة لتناصر هذا عن ذاك ، وهم لا يرومون سوى تدمير الأمة وتشتيت كلمتها وذهاب ريحها...!!!
على أن الأمر جعل الأمة تعاني من أزمات نفسية وسلوكية مستعصية. كرست هذا التناقض الذي شكل وعيها السياسي والثقافي. وجعل تفكيرها يزداد تحجرا وانغلاقا. وأصبح يميل إلى العدوانية والغلظة في القول والفعل، والتمركز حول الأنا، والتفرد في الرأي والافتتان بالذات والانطواء على النفس. وصار لا يرى الأشياء إلا بمنظاره الشخصي الذي يناقض طبيعة الحياة في الشورى والحوار والقبول بالآخر .
        ولقد زاد من تكريس هذه الظواهر السيئة، تغليب نزعة  الأنا الفردي الذي سيطر على المظاهر السياسية في العالم العربي على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن .إذ أصبحت السياسة تمارس بمنطق "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". بزعم أن هذه الشعوب لم تبلغ سن الرشد السياسي الذي يؤهلها لإبداء رأيها في شأن الحكم والسياسة

احتقار الشعوب أدى إلى وقوع أزمة ثقة:

وهذا الازدراء والاحتقار هو الذي زاد من وتيرة الاحتقان السياسي، وزاد من توسيع الهوة بإحداث أزمة ثقة بين الحكام والمحكومين. مما ترتب عليه اختلال خطير في البنية الفكرية والسلوكية للمواطن العربي.
        لقد أدى ذلك الاختلال إلى إحداث فوضى في الأفكار والقيم، فاختلطت المظاهر السياسية بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. لذلك تحولت مؤسسات الدولة –على ضوء هذا الاختلال) إلى فضاء خصب، ليتصارع فيه الناس على تحقيق المزيد من المكاسب والمنافع الشخصية، لممارسة تجارة رابحة يجني أرباحها المحظوظون ممن ضعف لديهم الوازع الديني والأخلاقي.ومكنتهم الظروف التاريخية والأزمات الوطنية من الوصول إلى تبؤ هذه المكانة في سلم المسؤوليات .
     ولعل الذي زاد من الأوضاع سوءا أن التف حول هذا المشروع المثمر في سوق النخاسة السياسية، الانتهازيون من السياسيين والعسكريين والمثقفين والمغامرين، وأصحاب النفوذ من لوبيات الدعم الخارجي وأصحاب الثروة والمال. والطامحون ومن على شاكلتهم.

تحويل مؤسسات الدولة إلى قطاع استثمار:

        فتحولت مؤسسات الدولة – بناء على ذلك-  إلى قطاع استثمار وافر الربح. يتنافس عليه المتنافسون. وحينما رأى المواطن العربي المغلوب على أمره هذا التطاحن بين الزمر النافذة في الاستيلاء على الدولة. انكفأ على نفسه يجتر آلامه وأحزانه ومآسيه ، لا يهتم بغاد ولا رائح . وأصبح شغفه الوحيد هو تحصيل قوته وقوت أولاده بما تيسر له من الفتات المتساقط على موائد الأباطرة السياسيين . الذين احتكروا كل شيء في الدولة. فسوغوا لأنفسهم أخذ كل شيء فوق الثرى وتحت السماء .                                   
       على حين حرم المواطنون من أبسط الحقوق لديهم، حرموا حتى من التفوه بالكلمة الحرة التي يمكن أن يسكتوا بها ضجيج نفوسهم ويطفئوا بها لوعتهم الحارقة.
        لهذه الأسباب مجتمعة، تحولت مؤسسات الدولة إلى فرص اقتناص، يترصدها الجميع. بل يفعل الناس من أجل الوصول إليها كل محظور ديني أو أخلاقي أو قانوني .
       وقد تهون المشكلة، حين يعبث بشرف الدولة المهووسون بالحكم من السياسيين والمغامرين والانتهازيين والنفعيين، ممن فقدوا ضمائرهم. فحولو ا وسائلها إلى ممتلكات عائلية يتصرفون فيها كيفما شاؤا .
      ولكن الأمر، يكون شنيعا وممجوجة،حينما يتبنى العلماء والمثقفون والنخب المتميزة بتكوين سياسي أو إعلامي. يتبنون ذلك في تفكيرهم وسلوكهم.فيصير عقيدة راسخة لديهم. مع افتراض أنها نخب تمتلك مستويات عليا من الوعي والشعور بالمسؤولية، فهي – بناء على ذلك - تمثل نموذجا سياسيا بديلا ، وطوق نجاة لشعوبها تضمن لها الأمن والسلامة من جور الجائرين وظلم الظالمين.  فتحمل همومها  وتناضل من أجل مصالحها ضد المتنفذين المستبدين الذين أعطوا الحق لأنفسهم في احتكار القوانين والامتيازات وتوزيعها على ذويهم والموالين لهم.

اختلال البنية الفكرية عند معظم المثقفين:
        ولكن المشكلة العويصة التي شكلت مأساة الشعوب العربية، أن أصبح هذا الاختلال الذي أصاب البنية الفكرية والأخلاقية  لمعظم النخب العلمية والثقافية والإعلامية، أن مرق الجميع عن الخط الأصيل لما يجب أن يكونوا عليه. وتحولوا إلى دهاقنة سياسيين، يتنافسون في سبيل إرضاء رجال الحكم والسلطان.
       ولما كان هم الحكام الوحيد هو الخلود في الحكم، فإنهم سعوا إلى شراء الذمم المطواعة، وتدجين الأصوات الناشزة ، بالمال والرشوة والمناصب .كي يستولوا على عقولهم ونفوسهم. ويمنحوهم حق الامتياز بإظهارهم في وسائل الإعلام المختلفة، يظهرونهم كشخصيات هامة ، ويقدمونهم على أنهم رموز علمية أو ثقافية أو فنية أو سياسية مرموقة. ولعل من عجب ما يعجب له المرء أن صادفت حصة متلفزة حاورت أحد أدعياء العلم الثقافة، - وأنا أعرف مستواه جيدا- .تناديه بالأديب. واقسم بالله العظيم للقارئئ الكريم. لو تجرأ الصحافي وسأله عن معنى العصور الأدبية. ما استطاع أن يجيب البتة . أما لوسأله عن المذاهب الأدبية وتاريخ ظهورها، وأهم أعلامها وخصائصها الفنية، فإن الإجابة عن ذلك ستكون ضربا من المستحيل.لأنه لا علم له بها. وكل ما في الأمر أن كتب قصتين لا تتجاوز إحداهما سبعين صفحة. أما الأخرى فقد نيفت عن المائة بقليل.

أصحاب القناعات يضيق عليهم ويهمشون:

        أما أصحاب القناعات المبدئية من المثقفين والسياسيين والإعلاميين، ممن يرفضون ذلك فإنه يضيق عليهم - بضم الياء الأولى - ويهمشون في زوايا حادة. وتكال لهم التهم بالمجان. وتقتل روح إبداعاتهم ومواهبهم في نفوسهم. ويموتون كمدا على هامش من الحياة. منسيين أو مغمورين مقهورين.
 لهذا السبب أصيب المجتمع العربي بالإحباط والقنوط وخيبة الأمل من بوادر التغيير التي ينتظرها، لأن الشخصيات المزيفة تاريخيا وثقافيا هي التي استولت على مفاصل الدولة واحتكرتها وأحكمت قبضتها عليها.
        ولاشك أن التبرير لهذا الاختلال في السلوك، هو عين ما يسيطر على عقول المحتكرين للسلطة ودوائرها "تحت عنوان مغلوط المصلحة العليا للدولة". فيؤدي ذلك الاختلال إلى تكريس الأمر الواقع. وهذه التبريرات غير الموضوعية ، إنما هي تكييف للواقع الذي هو في جوهر الأمر تكييف لمصالح الزمر الحاكمة ، ولا علاقة له بمصلحة الدولة البتة.
        فالطبيعة البشرية تخضع لسلطان النزوات الشخصية ،المتأثرة بالعوامل الخارجية، التي تسعى في المجمل إلى تحقيق الأنا الأعلى. لذلك نرى الفرد المحظوظ بتقلد وظائف الدولة العليا ، يتمركز حول ذاته، ويتكون لديه الأنا الأعلى الذي يجعله ينظر إلى نفسه بأنه متميز ومتفرد بالخصائص، والمواهب التي تقوده إلى فرض إرادته على الآخرين وبسط سيطرته ووجهة نظر ه عليهم.
        وقد يؤدي التداخل بين المعايير القيمية في ذات الفرد الحاكم، إلى احتدام الصراع بين الأنا الأعلى (الهوى) والأنا الأخلاقي ( الضمير) فيتغلب الأول على الثاني حينما يتعلق الأمر بالحكم. فيستبد ويطغى . وفي هذه الأحوال يتجه الحاكم إلى الافتتان بنفسه وبعظمته ، فيزداد غرورا واستعلاء وبطرا.
  ولاسيما عندما تكتمل لديه عوامل القوة والنفوذ ، وقد يزداد بطرا عندما تجري الرياح بما تهواه نفسه ، ما يجعله يصل إلى النهاية في إشباع غروره ونزواته.
        وإذا وصل هذا النوع من البشر إلى تقلد الوظائف العليا في الدولة ، فإن النزعة الاستبدادية تزداد ضراوة في تفكيره وسلوكه ، فتتجه نحو التفرد في الحكم والأثرة في الحقوق والامتيازات، مثلما هو واقع في البرلمانات العربية بالتواطؤ مع الهيئات التنفيذية ، التي أصبحت تشرع لنفسها رواتب وعلاوات خيالية ، تتضاعف عن الحد الأدنى للمواطن بعشرات المرات. وتشرع لنفسها أيضا معاشات مائة بالمائة. و اقتراض مئات الملايين  بدون فوائد ، مقابل تمرير المشاريع الفوقية التي تتعارض مع مصالح الفئات المسحوقة من المواطنين الغلبة.
        ويزداد الأمر سوءا، أن هؤلاء الحراس الأمناء لمصالحهم على حساب الحقوق المشروعة للمواطنين ، يمتنون على شعوبهم  بأن حق الامتياز مشروع لهم دون سواهم. وربما امتنوا على البلاد والعباد بأن ما تجود به الطبيعة من رزق وخير بأنه من فضلهم وبركاتهم ويمنهم. ولقد رأينا أحد المتزلفين ينسب- في أحدى الدعايات السياسية-  سقوط المطر في بلادنا إلى حضرة الذات المفخمة.
        كما رأينا بعض هؤلاء الأباطرة في إحدى الدول العربية، ممن ابتسمت لهم الحياة، وطال بهم الأمد في الحكم. كيف تحولوا إلى فراعنة مترفين يترفعون عن الناس ويرفضون نصائحهم، يقدسون أنفسهم ويعظمون ذواتهم!! وقد حاربوا كل مقدس حينما كانوا على عروشهم. ولكن ما إن دارت عليهم الدوائر وفقدوا قوة الدولة التي كانوا بها متغلبين على أمر الناس، وضنت عليهم الحياة،  كيف ظهروا
                                         
                                              ../...            يتبع
                                                         




 الحلقة الرابعة

             
على طبائعهم البسيطة.التي فيها كثير من الجبن والضعف. وكيف أرخوا لحاهم
وصاروا عبادا نساكا. يتكلمون باسم الحق والفضيلة والحرية والعدالة . دون خجل ولا وجل!!

السلوك المتناقض في وعي النخب المثقفة:

        وهذا السلوك المتخاذل والمتناقض في وعي النخب العربية، هو الذي ساعد على بروز مظاهر الظلم والاستبداد لدى الحكام في عالمنا العربي، وشرع ثقافة تقنين الفساد في المؤسسات البرلمانية الرسمية.مادام ذلك يرضي أصحاب الجلالة والفخامة، ويحقق الطموحات الشخصية لهؤلاء البرلمانيين ومن شابههم في مقامات الحكم. بالوصول إلى مراكز النفوذ في أجهزة الدولة، وإنشاء علاقات فوقية تحقق المكاسب والمنافع.
ونتج عن ذلك، أن استشرى الفساد بين النخب وعامة الموظفين. فصار الجميع لا يفكرون إلا في الاستفادة من القروض البنكية، وشراء ممتلكات الدولة بأثمان بخسة ، و المطالبة بمسح ديون الفلاحة ولونساج. والبحث عن فرص استثمارية لاستغلالها في تهريب المال العام إلى الخارج. والتمكين للأولاد والأحفاد والأصهار في التجارة المشروعة والمحظورة  .والتهرب الضريبي... وما إلى ذلك.
       فالنهب المنظم ( وين راه حاكمة)، هو اللغة المتداولة بين هذه الزمر النافذة. فجعلوا من مؤسسات الدولة مجالا للمساومات والابتزاز السياسي. فتسابق إلى نيلها من تستهويهم الإغراءات والمناصب والكراسي الوثيرة  والأضواء الكاشفة . من النفعيين ممن يمتلكون مواهب كبيرة في التكيف مع هذه الأوضاع. لأن ممارسة السياسة في نظر هذه الفئات من الناس هي وسيلة لاترتبط بأية قيمة أخلاقية ،  لأنها تقوم على البراغماتية النفعية.. لذلك لاتؤمن بقيم الفضيلة التي يرتبط بها فضلاء الناس وأشرافهم.
        إن ممارسة السياسة والحكم بهذا الشكل، شجعت الفرد العربي على التجرد من قيم الفضيلة، التي هي العمود الفقري للحياة. فجعلوه يفقد القدرة أو يكاد على إدراك أن الفضيلة هي المبدأ الذي يجعله يبني علاقات قيمية متوازنة، يسودها الانسجام بين النوازع الذاتية ومصالح الجماعة التي يعيش فيها. وكذلك بين الفكر والأخلاق. وبين الأنا والضمير. وبين التصور والممارسة، إن التصور النظري للفضيلة لابد أن يقوم على العلاقات المتوازنة، كي تحدث الملاءمة مع المخيال الثقافي للفرد في عالم المثل، وبين الفعل السياسي ضمن الممارسة السياسية الواقعية عبر مؤسساتها وأجهزتها، وعبر مؤسسات الترشيد والتوجيه والتثقيف. وإلا اختل ميزان التفكير الأخلاقي والسلوكي والسياسي  لدى الجميع.
       
النخب المفكرة هي من قاد الإصلاح في الغرب:

        والذي دلت عليه تجارب الحركة التاريخية لدى الأمم والشعوب عبر المراحل التاريخية المتعاقبة هو أن النخب المثقفة بجميع شرائحها، ممن تحمل تأهيلا عاليا هي التي تنقذ شعوبها من هذا الانحراف المستبد.
        ولنا في تاريخ الغرب مواعظ وعبرٌ . لقد هبّ كبار المثقفين الغربيين عبر مراحل تاريخه القديم والحديث.حينما وصل الانحراف بحكامهم إلى مستويات أضرت بمصالح شعوبهم وبلدانهم . فهبوا إلى وضع نظريات إصلاحية في شؤون الحكم والسياسة والأخلاق والاجتماع.
        فعند الإغريق في مرحلة ماقبل أفلاطون وأرسطو. نهض بهذا العبء كل من هوميروس، وهزيودوس وسلون واسخيلوس، وهيرودوت، وهيبودام دي ميليه ، وسقراط .
        وفي نهاية القرون الوسطى وضعوا نظريات سياسية لإصلاح الأوضاع المتردية عندهم. من أمثال: يوحنا سالزيوري (1117-1180).وتوماس الإكويني(1225-1224).ودانتي اليجيري(1265-1321).(1).
        لقد هاجم توماس الإكويني طغيان الحكام المستبدين . وذهب إلى ضرورة أن يقوم كل الناس بمواجهة هذا الطغيان. وأن يستعملوا كل الوسائل من أجل تحقيق ذلك . إلا أنه اشترط على الذين يقاومون طغيان المستبدين من أن تكون أعمالهم أقل ضررا من فساد هؤلاء الطغاة. ولم يعتبر توماس أن مقاومة الظلم فتنة طالما لها ما يبررها من الوجهة الأخلاقية . وإن كان يعتبر الفتنة من الكبائر.
        كما اهتم توماس بالقيود الأخلاقية التي يجب أن تفرض على الحكام والملوك. وأكد على قانونية الحكومة الصالحة. واعتبر الحكام غير الشرعيين معتدين على سلطة الشعب.
        أما دانتي الشاعر الإيطالي الشهير، وصاحب ملحمة الكوميديا الإلهية. فقد نفي من مدينة فلورنسا ، بسبب معارضته ومواقفه السياسية والإصلاحية . لقد كان يدافع عن الإمبراطورية ضد السيطرة البابوية. ولقد رأى دانتي أن سياسة البابوية مصدر نزاع لا نهاية له . تستعمله فرنسا للتدخل في الشؤون الإيطالية.
        أما في عصر النهضة، فقد سادت فيه حركات مختلفة بأفكارها الإصلاحية  على المستوى الفكري والفني والاقتصادي. وهو مرحلة انتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة . و يتناول عند أكثرية الكتاب القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
        ولعل من أبرز النظريات السياسية في هذا العصر هي النظريات التي نادى بها مكيا فيلي. – صاحب المقولة الشهيرة- الغاية تبرر الوسيلة.ولقد هاج ميكيافلي الانقسامات التي عرفتها بلاده إيطاليا في تلك الفترة . حيث انقسمت إلى إقطاعيات كثيرة . كانت دائمة الحروب فيما بينها. وكان لهذا الانقسام أثر بالغ على تفكيره وآرائه ونظرياته.
        ومن أبرز نظرياته الفصل بين السياسة والدين. فلقد نادى بتقلص سلطة البابوية.ولعل الذي عابه ميكيافيلي على الكنيسة هو سيطرتها على الأوضاع السياسية والدينية. وتجاوزها حدود وظيفتها الحقيقية. ومن المفكرين المشهورين الذين قدموا إسهاماتهم الإصلاحية في هذا المجال هم (هو بز- ولوك- وروسو).
 ومن خلال هذا العرض المقتضب تبين لنا أن المثقفين الحقيقيين هم الذين يقاومون الحكومات الفاسدة ، فيضعون لها المشاريع الإصلاحية في شكل نظريات ، ونظم وأساليب الرقابة على تصرفاهم الفردية.وليس الذين يتواطئون على شعوبهم، لأن الحكومات الاستبدادية تسعى دوما إلى الإفلات من رقابة القوانين . فهي لا تخضع لأية رقابة.كي تطلق يدها بالعبث في شؤون الحكم.

عدم تقييد يد الإنسان يؤدي به إلى الاستبداد:

      والإنسان بطبعه إذا لم يجد من يقيد سلوكه السياسي بالرقابة التي يفرضها البرلمان، فإنه يتحول إلى استبدادي متفرد بالحكم. فيحكم بعواطفه ونزواته . فتصبح إرادته هي التي تضع القوانين ، بل هي القانون نفسه.وهنا تكمن الخطورة التي تهدد مصالح الدولة. فتنعدم الحريات الفردية والجمعية. ولا تضمن الحقوق، وتهان كرامة المواطن. ويمكن للحاكم إبطال هذه الحقوق طالما يمتلك القدرة على التملص من القانون.
        والمثقف العربي- رغم علمه بهذه الحركات الإصلاحية- إلا أنه لم يتأثر بها ولم يقم بأية مبادرة إصلاحية جادة. وهو إما متوددا باع ذمته وعهده من أجل المنصب والنفوذ.وإما مستسلما انكفأ على نفسه على هامش من الحياة لا يبالي بشئ. وبين هذا وذاك ضاعت مصالح الأمة ، وانطوت على نفسها تجتر آلامها وتبكي مصائبها ومآسيها. وأصيبت من جراء ذلك بالقنوط واليأس. وانكفأت على نفسها تنتظر المجهول. لعل الله يغير حالها بمعجزة خارقة على يد مخلص لم يأت زمانه بعد.
        ولكن هيهات هيهات أن يحدث ذلك، لأن زمن المعجزات قد ولى وانتهى. وإرادة لله مقرونة بإرادة الإنسان" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هذا هو جوهر الحقيقة الأزلية التي أقرها الحق سبحانه في عالم الأزل. ولا تبديل لكلمة الله إلا بما يقتضيه قانون الطبيعة الذي هو من صنع الله الذي أتقنه وأبدعه .وفي هذا السياق قال ألشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة   ***   فلا بد أن يستجيب القدر 
إلى أن قال :
ومن لم يرد صعود الجبال   ***   يعش أبد الدهر بين الحفر.
        فلنا أن نختار إما صعود الجبال أو البقاء بين الحفر!!

للحلقة الرابعة هوامش.
                                                                 
                                                                 انتهى  

                                                                 خير الدين هني



Reviewed by Unknown on 2:19 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

Privacy Policy

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.